الوصية السـابعـة .. لا .. لست راهبة
قال صلى الله عليه وسلم : (لا رهبانية في الإسلام) .
وجاء ثلاثة نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره احدهم أنه يصوم الدهر ولا يفطر وأخبره الثاني أنه يقوم الليل كله ولا ينام , وأخبره الثالث أنه لا يقرب النساء .. وقد جاءوا إليه مهزولين متعبين من العبادة الكثيرة التي أستلّت صحتهم وهدمت أرواحهم وتركتهم بلا قوة ولا حول .. وقد كان هؤلاء يظنون أنهم بهذا يتقربون إلى الله عزوجل وترتقي درجاتهم عنده .. فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يفعل مثلهم وهو نبي ولا يصلي ولا يصوم كما يفعلون .. وإنما هو بشر مثلهم يصلي ويقعد ويصوم ويفطر ويتزوج النساء .. وأن حياة المسلم ليس فيها كل هذا التشدد , وأن هذا المنهج ليس مطلوبا ً في الإسلام , وأن هذا الدين يعتبر الإنسان وملكاته وغرائزه ومطالبه شيئا مهما ً, وأنه إذا أراد أن يكون مقبولا عند الله فإن عليه أن يعيش حياة طيبة لا عدوان في تفاصيلها على جسد ولا وقت ولا روح . وأن العبادة الكثيرة والمرهقة هي اعتداء على النفس والجسد والوقت وحرمان للزوجة والأولاد والأهل , بل وللمسلمين جميعا ً, من طاقات المسلم التي يجب أن يستغلها في شؤون مهمة لنصرة هذا الدين والقيام بأعباء الحياة اليومية .
ولكِ أن تتخيلي يا أختي المسلمة لو أن الرجال المسلمين فعلوا مثل أولئك النفر وغرقوا في العبادة بتلك الطريقة , ما الذي سيحدث للأمة الإسلامية التي تواجه الغزو الفكري والحضاري والفتن بكل أشكالها وألوانها , وتتعرض في كل يوم لهجمة مريرة تستهدف دينها وحضارتها.. ويواجه المسلمون هذه الهجمات بمثل هؤلاء النفر من المتعبدين الذين لا حول لهم ولا قوة ....؟
إن منهج هؤلاء النفر ليس هو منهج الإسلام وطريقتهم ليست هي طريقة الإسلام . وهم ليسوا قدوة صالحة عند المسلمين ولكن قدوتهم الحسنة في رسولهم صلى الله عليه وسلم والذي بين أن على المسلم أن يكون قويا لمواجهة الأعداء , فيصوم ويفطر ويقوم ويقعد ويتزوج وينجب ويربي أولاده وبناته على الخير .
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) " الأحزاب "
إن الإسلام لا يهرب من مواجهة الحياة ولا يتراجع أمامها. ويحافظ دائماً على جوهره ونقائه مهما اشتدت حلكة الظلام . لذا حارب الإسلام بشدة كل النزوعات التي يميل بها بعض الأفراد للانسحاب من مواجهة الحياة بالرهبنة والعبادة . وجعل مهمة المسلم هي أن يخوض الحياة ويجربها ويغامر في اكتشافها ويسير في الأرض يعيش بكل ما يمكنه ذلك ويعمل للدنيا عمل من يعيش أبدا , وفي الوقت نفسه يعيش لأخرته كأنه سيموت غدا. من هنا جعل الإسلام لكل عمل يعمله المسلم أجراً واعتبره جزءا من عبادته لله عزوجل , فقال صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه:
(إن في بضع أحدكم لأجرا ً , قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته و يكون له فيها أجر؟. فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر ؟ كذلك لو وضعها في حلال كان له أجر).
فلا تغتري يا أخت الإسلام بكلام أولئك الذين يريدون للمرأة أن تترهبن في بيتها وينحصر عالمها بين الجدران فيضيق بها الأفق . بل عليك أن ترفضي منهج الرهبنة الخبيث الذي يفرضه المتخلفون المهزومين أمام زحف الجاهلية على المرأة المسلمة , وعليها أن تواجههم برغبتها في الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي عاش حياته كاملة غير منقوصة ولم يسمح لأتباعه بالانزواء في زوايا العتمة خوفا من مواجهة الجاهلية.
إعلمي إنكِ لم تخلقي لتحشري كالفئران في الجحور المعتمة لكي تصلي وتصومي فقط . واعلمي أن معركة الإسلام مع الجاهلية المعاصرة تحتاج إلى جهودك وجهود كل أخواتك المؤمنات التقيات اللواتي لا يخشين في الحق لومة لائم .. واعلمي بعد هذا كله أنك ِ فعلا لست راهبة , وأن الحياة التي يريد الإسلام أن يصنعها لا يمكن أن تقوم بدون جهودك وقدراتك المكبوتة . وعليك أن تتعلمي علوم الدين والدنيا فتدخلي المدارس والجامعات والكليات وتتخصصي في الطب والهندسة والكمبيوتر والفيزياء ليعلم الجميع أن الإسلام ليس عدوا ً للعلم وأن رجاله ونساءه كما جاء في صفهم (( رهبان في الليل , فرسان في النهار )). وأنهم أبناء الحياة الكاملة الطيبة ...
إنها سنته إذن . سنة الحياة والعيش الطيب , لا عيش الرهبنة والانعزال عن متاع الدنيا الذي أباحه الله للمؤمنين ومن رغب عن هذه الحياة فهو ليس من الإسلام في شيء ..