الوصية السـادسـة .. أفضل من صحابية
قال تعالى :
(إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِك َفَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) " المطففين : 22 - 26 "
وعندما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن آخر الزمان أخبرهم أن هناك أناساً يأتون في آخر الزمان يعملون بسنته و يلتزمون بنهجه و يتمسكون بالدين في مواجهة الفتنة . و كان فيما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم أن قال أن للعامل من هؤلاء بالدين أجر سبعين صحابياً . و اندهش الصحابة لهذا الفارق الذي يجعل من أولئك الناس أفضل منهم فاخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن السبب هو أنهم لا يجدون على الخير أعواناً ، بل يجدون المنع والفتنة والاضطهاد . بينما يجد الصحابة في عصر النبوة على إيمانهم و دينهم أعواناً كثرا ، وحسبهم أن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد جاء الإسلام بين أمة العرب في الصحراء فحاربه الناس و لكنه في غضون سنوات قليلة استطاع أن يملأ قلوب الناس بالإيمان و أن يجمع حول نبيه مجموعة طيبة من المؤمنين الذين فتنوا عن دينهم فصبروا وحاربهم الناس فثبتوا و ما هي إلا سنوات قليلة أخرى حتى هاجر هؤلاء المؤمنون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى يثرب و أقام دولة الإسلام ليحمي المؤمنين الذين وجدوا فيها مكاناً آمناً يعبدون فيه ربهم ، و يدافع عنهم جيشهم ضد الفتن والغزو ، و بعد سنين معدودة أضاء الإسلام جزيرة العرب كلها وبدأ يستعد للخروج هادياً الناس مبشراً بكلمة الله . وفاتحاً البلدان . و كان المسلمون والمسلمات يعيشون في كنف هذه الدولة الفتية لا يعانون من الخوف والفتنة .. وعندما استدار الزمان وانقلبت الأمور وبدأ الإسلام ينحسر من البلدان التي فتحها ومن نفوس الناس أيضاً وخاض المؤمنون حروباً ضارية ضد الشيطان وأعوانه متمسكين ما استطاعوا بدينهم ثابتين على الهدى .. وكانت الأمور تسوء وسادت جاهلية القرن العشرين بما حملت رياحها السموم من تغييب للإيمان ومحاربة لأهله بنشر الفتن والفساد . ووجد المسلمون أنفسهم أقلة ضعافاً يطاردهم أعداؤهم ويفتنونهم عن دينهم ويفسدون في الأرض . لقد افسدوا النساء و الأولاد و وضعوا لهم أنظمة و قوانين لا تمت للإسلام بصلة و أجبروهم على إتباعها .. و في هذه الأثناء و من خلال كل هذه الظلمات التي تراكمت بعضها فوق بعض ، ظل هذا الدين حياً نابضاً في قلوب فتية لم تغوهم الحياة الجديدة ولم تضلهم الأفكار الكثيرة ... قال تعالى:
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) " االكهف "
حملوا دينهم في قلوبهم وحياتهم وقبضوا عليه بكل صبر واحتمال كما وصفهم نبيهم أنهم كانوا يقبضون على دينهم كما يقبضون على الجمر .
لقد عاد الإسلام غريبا ً كما بدا . و لكن غربته الثانية اشدّ و اعتي و أكثر قسوة و إيذاء من غربته الأولى . والناظر لأحوال المسلمين و المسلمات يرى كم من الأذى و الفتنة و الاضطهاد يتحمل المسلمون من أجل دينهم في مواجهة جاهلية لا ترحمهم . تطاردهم في كل مناحي الحياة و لا تسمح لهم بالتقاط أنفاسهم و عبادة ربهم .. ألا يستحق هؤلاء من الأجر عند الله الذي لا يضيع لديه شيء بمقدار وما تحملوا ؟ .
ولأن كل شيء بأجر و مكافأة . ولأن الأجر قدر المشقة . فإن أجر هؤلاء الصابرين المرابطين سيكون فعلا أكبر بكثير من أجر الصحابة الكرام الذين نزل فيهم الدين ورأوا نبيه صلى الله عليه وسلم ومعجزاته أمامهم وشهدوا انتصاراته وتطبيقاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأنت يا أخت الإسلام .. لك أكثر بكثير مما للصحابيات الطيبات إذا أنت التزمت بهذا الدين في خصم هذه الجاهلية . تمسكت به رغم الفتن والمغريات وتشبثت بحبل الله المتين . إن التنافس بين المسلين والمسلمات على نيل المزيد من الأجر ورضا الله ومحبته . بالتزام أوامره والصبر على المكاره التي تصيب المؤمنات في هذا العصر .. فإذا صبرت وتمسكت بدينك فإن البشرى قد وصلت إليك لأن لك من الأجر أفضل من سبعين صحابية .. بإمكانك أن تكوني أفضل منهن إذا أنت آمنت إيمانا ً لا لبس فيه ولا شك ولا زيغ , وعملت بما فرض الله عليك من فرائض وانتهيت عما نهى عنه . وصبرت على الفتن والإغراء والإثارة والاضطهاد .. وكنت كالقابض على الجمر تحتملين كل شيء وتستعينين بالله . وتربين أبناءك جيلا ً مسلما ً مؤمنا ً فبشرى لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى حين قال : (( طوبى للغرباء )) .. فهل عرفت كيف يكون التنافس و إن بإمكانك الفوز بالدرجات العلى في الجنة وأنك عند الله تعالى فعلا ً ستكونين أفضل من صحابية ؟.