goodgirl مديرة goodgirl
عدد الرسائل : 2215 العمر : 31 الموقع : goodgirl.ahlamontaa.net المزاج : رائع نقاط : 37649 تاريخ التسجيل : 18/08/2009
بطاقة الشخصية حقول اللعب: (0/0) التصويب: (0/0)
| موضوع: بالحب والشكر تدوم النعم الخميس يوليو 08, 2010 2:57 pm | |
| الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
أرأيتم إلى إنسان يعاني من ظمأ يلتفت يمنة ويسرة فلا يجد جرعة ماءٍ يروي بها ظمأه، ويفتش في أنحاء داره وزواياها عن قطرة ماءٍ أو جرعة شراب فلا يعثر على شيءٍ مما يبحث عنه، واستمر به الحال كذلك حتى كاد الظمأ يُقَطِّعَ كبدَه، وفيما هو كذلك إذ طلع عليه إنسان أقبل في لهفةٍ إنسانيةٍ عارمة إليه، ومَدَّت يده إليه بكأسٍ تشفّ عن ماءٍ عذبٍ فرات، أخذ الكأس وشربها، وشعر بالري بعد الظمأ المحرق، وشعر بلذة هذه النعمة بعد أن كان محروماً منها، هل من ريب في أن هذا الإنسان الذي عانى من ظمئه ما عانا سيتوهج قلبه بالحب لهذا الذي أنجده بالشراب بعد أن أحرق الظمأ قلبه؟ ما أظن أن فينا من يرتاب في هذه الحقيقة، فكيف إذا أجرى هذا الإنسان الكريم المتلهف، كيف إذا أجرى له في داره جدولاً من الماء العذب الفرات يسري في أنحائها، يشرب من مائه كلما ظمئ، ويغتسل بالماء كلما احتاج إلى ذلك، ويغسل ما اتسخ من ثيابه وأدواته، ويتمتع برؤية الماء العذب الفرات يسري في أنحاء داره، هل من شك في أن هذا الإنسان الذي كان قلبه يحترق ظمأً سيفيض الآن بالحب لهذا الذي أنجده بالماء؟ وجلَّ الإله القائل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30].
هذه حقيقة لا يرتاب فيها أحد -يا عباد الله- فكيف إذا كان هذا المتكرِّم، إذا كان هذا المعطي هو الرحمن الذي لا يجود على أسرة بماءٍ في جدول، وإنما يجود على الإنسانية كلِّها، يجود على عباد الله أجمع، يغيثهم من بعدما قنطوا أو كادوا أن يقنُطُوا، وجل الإله القائل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} قفوا بنا أمام هذه الكلمة {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}، ينشرها بين الناس جميعاً، ينشرها بين فئاتهم على اختلافها، على اختلاف المذاهب، على اختلاف النعم، ينشر رحمته بين الطائعين وبين العصاة، مائدته عامرة، أبوابها مفتحة، {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}، هل من شكٍّ في أن الإنسان الذي يرى هذا المتكرِّم المتفضِّل الذي يروي عباده من ظمأ، ويكرمهم بعد يأس، وينزل عليهم من بركات سمائه، ويفجر لهم من ينابيع أرضه، ويجعل الأرض ممرعة بالخضرة والرياحين والنعم للإنسان ولأنعامه، هل من شكٍّ في أن قلب الإنسان لا بد أن يتوجه إلى هذا المعطي بالحب؟ هل من ريب في أن الذي يتلقى هذه المكرمة كلَّها هل من ريب في أن قلبه سيصبح وعاءً لحب هذا المنعِم المتفضِّل ولا سيما وفضله لا يفرق بين فئة وأخرى {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20].
بالأمس كاد أن يطوف اليأس بالقلوب إذ رأينا الأيام تتوالى، ورائحة الصيف تعود إلى قُرِّ الشتاء، ثم نظرنا فوجدنا أن اليأس تحول إلى النقيض، ووجدنا أن الكرم الرباني الحاني يقبل على عباده ليبطل اليأس الذي كان يطوف بنفوسهم، ويحيله لا إلى أمل، بل إلى بشارة متحقِّقة، كانت الأنهر جافة أو تكاد تكون جافة، وها هي اليوم فياضة ممرعة، وها هي اليوم تعيد ذكرى أيام بردى يوم كان هذا النهر مضرب المثل للشام وأهله، ويوم كان هذا النهر عقداً يتألق في جيد الشام، ها نحن نرى الماضي كيف عاد، وها نحن نرى أن النعمة التي كادت أن تغرب أو تغيب لقد عادت، فمن الذي أعادها يا عباد الله؟ هل من علم ورثه الإنسان اعتصر السحب فتحول اليأس إلى بشارة؟! معاذ الله، من ذا الذي يقول هذا؟ هل من طبيعة عادت فاصطلحت مع عباد الله عز وجل؟! هل من طبيعة شعرت بنبضات الرحمة للناس الذين يعانون من ظمأ؟ للأرض التي تعاني من جدب؟ للأنعام التي تبحث في مراعيها عن عروق خضراء؟! لا يا عباد الله، لا تحجبوا أنفسكم عن العقول التي متّعكم الله عز وجل بها، لا تحجبوا كياناتكم عن الفطرة التي متعنا الله عز وجل بها، فطرة الإيمان {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30].
إنه الله سبحانه وتعالى أكرمنا وأعطانا ورزقنا، رزقنا من السماء الرزق الذي سيتحوّل إلى رزقٍ يتفجّر ينابيع من الأرض، ويتحوّل إلى رزقٍ يخضرُّ به وجه الأرض ألواناً وأشكالاً كما قال الله سبحانه وتعالى، فما الذي بقي يا عباد الله؟ بقي أن نكون مثالاً لذلك الظمآن الذي توهج قلبه بالحب لمن أنجده بكأس من الماء البارد على ظمأ، بقي أن نكون مثالاً لذاك الذي أُجْرِيَ جدولٌ من الماء في داره، فكان يشرب منه كلما ظمئ، ويتمتع بمرآه، وكان يغتسل به كلما احتاج إلى ذلك، ينبغي أن تتوهج قلوبنا نحن من بابٍ أولى لهذا الذي أكرمنا بالعطاء، رزقنا من السماء.
كيف يكون الشكر يا عباد الله؟ يكون الشكر أولاً بأن تفيض قلوبنا حُباً لهذا الإله، الإيمان الأعزل إذا لم يُتَوَّجْ بحُبٍّ لا يقدِّم ولا يؤخِّر.
بالأمس القريب أو البعيد أكرمنا الله أيضاً بعد انقطاع للأمطار، وبعد يأسٍ كاد أن يسريَ إلى القلوب، أكرمنا الله بالماء النمير وبالثلوج الكثيرة، قلت وقال غيري أيضاً: ينبغي ألا نبدلَ نعمة الله كفراً، ينبغي أن نتوبَ إلى الله، فلا نبني أعشاش المحرمات والمعاصي على الأنهر الفياضة بعطاء الله سبحانه وتعالى، ونظرنا فلم نجد الاستجابة، أجل لم نجد استجابة، لماذا؟ أَمِنْ أجل أنهم غير مؤمنين بالله؟ لا هم مؤمنون يا عباد الله، هؤلاء الذين يستخدمون نعمة الله فيما يسخطه مؤمنون بالله، لكنهم محرومون من حُبِّ هذا الإله، والإيمان الأعزل بالله عز وجل أشبه ما يكون بمصباح العربة التي تريد أن تقودها، هو أمر ضروري يريك الطريق كما هو معبداً أو معوجاً، نعم لكنّ المصباحَ لا يحرك السيارة، لا يمكن أن يقودها، إنما الذي يحرك العربة وقودها، والوقود الإيماني الذي يوجه الإنسان إلى الالتزام بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه إنما هو وقود الحُبِّ، ما أكثر المستشرقين الذين يؤمنون بالله، ولربما يملكون من الأدلة على وجوده ووحدانيته أكثر مما نملك، ولكنهم لا ينقادون لأوامره، وإنما ينقادون لرعوناتهم ولرغائبهم، ما السبب؟ السبب أن إيمانهم عقلي أعزل، أما قلوبهم ففارغة عن محبة هذا الإله الذي آمنوا به، ومن ثم فإن قلوبهم فياضة بحُبِّ الأغيار، بحُبِّ الشهوات والأهواء، وهكذا فالإيمان بالله عز وجل لا يقود صاحبه بدافع عقلاني مجرد إلى السلوك، ولكن الحبَّ عندما يُتَوَّجُ بالإيمان هو الذي يقود إلى الالتزام بأوامر الله، الحبُّ هو الذي يقرب البعيد، الحبُّ هو الذي يلين الحديد، الحبُّ هو الذي يجعل الأمر العسير يسيراً وسهلاً.
وكأني بكم تتساءلون: فكيف السبيل إلى أن نطهِّر أفئدتنا من حُبِّ الأغيار ونملأها بحُبِّ مولانا الذي يتفضل علينا بجلائل النعم التي لا تحصى؟ كيف السبيل إلى أن نكون مثل ذلك الظمآن الذي توهج قلبه بالحبِّ لمن قدَّم له كأس الماء بعد أن كاد قلبُه يحترق بنيران الظمأ؟ السبيل إلى ذلك -أيها الإخوة- سبيل مفتوح ميسَّر، اربطوا النعم بالمنعم، اربطوا النعم التي تهمي إليكم بالمتفضِّل الذي أرسلها، انظروا إلى رسائل الحب التي تأتيكم من الله عز وجل، لا تحبسوا أنفسكم في أقطارها، اربطوا هذه الرسائل بمرسلِها، أنت تتمتع بالعافية من فرقك إلى قدمك، ألا تتساءل من الذي يمتِّعك بها؟ أنت تُقبِل في المساء إلى مضجعك، وتتمدد لتستقبل نعمة الرقاد، فمن الذي يقول لك: لبيك، ها هي ذي نعمة الرقاد تسري في أوصالك؟ من؟ وإذا أخذت حظَّك من الرقاد من الذي يعيد إليك الحياة بعد أن طُوِيَتْ عنك؟ من الذي إذا جلست إلى المائدة كَوَّنَ لك هذه الأطعمة، وقدم لك منها المذاق الذي يفيدك؟ إن هو إلا سماء أمطرت، وأرض أنبتت، وأنعام سخرها الله لك لحوماً وألباناً، ألا تعشق هذا الإله عندما تربط نعمه به، عندما تربط الرسائل التي تأتيك منه بالمرسِل ألا وهو الله عز وجل؟ لا يمكن للإنسان وهو إنسان إلا أن يحب المنعِم المتفضِّل عليه، فإذا أحبَّ الإنسان ربه انقاد لأمره، إذا أحب الإنسان مولاه عن طريق ربط نعمه به لا يمكن أن يبني الأعشاش المحرمة على المياه الغامرة التي يكرمنا الله عز وجل بها، لا يمكن أن يمارس ما يسخط الله عن طريق النعم التي تأتي من عند الله سبحانه وتعالى.
عباد الله؛ هذه النعمة التي أسداها الله عز وجل إلينا، هذه الأنهار الفياضة بعد أن كانت ذكرى جافة ينبغي أن تستثير كوامن الحبِّ لمولانا وخالقنا، ألا فاعلموا أن هذا الحبَّ إذا تفجرت ينابيعه في قلوبنا حُلَّتْ مشكلاتنا كلها، ولا تسألوني عن كيف ولا عن هذه المشكلات، ولكن التاريخ الماضي ينبئكم عن ذلك كله، ويضع أمامكم الدليل على ذلك كله.
يا عباد الله، أصحاب رسول الله فاضت عقولهم بالإيمان بالله، لكن الذي سيَّرَهم في طريق مرضاة الله إنما هو الحبّ، السلف الصالح الذين جاءوا من بعد أصحاب رسول الله، والذين أدوا رسالة الإسلام كما أمر الله فتحوا مغاليق الشرق والغرب، لم يفتحوها بمجرد العقول المؤمنة، ولكنهم فتحوا هذه المغاليق بالقلوب التي عشقت الله سبحانه وتعالى، ألسنا أحفاد أولئك السلف؟ ألسنا نتمتع بهذه القلوب التي كانوا يتمتعون بها؟ ألسنا عبيداً لذلك الإله الذي يكرمنا كما أكرمهم، يعطينا كما أعطاهم؟ فلا تبدلوا نعمة الله كفراً، فإنكم إن فعلتم ذلك تقلصت النعمة مرة أخرى، ولربما ابتلينا بالحرمان مرة ثانية، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
| |
|